يُعد الذكاء الاصطناعي (AI) أحد أكثر التقنيات تحوّلًا في عالم اليوم، حيث يؤثر على كل الصناعات، من الرعاية الصحية إلى التمويل والتعليم والترفيه. قد لا تصدق أن للذكاء الاصطناعي الحديث تاريخًا قديمًا، يمتد لقرون ربما. يحاول هذا المقال تتبع تاريخ الذكاء الاصطناعي من بداياته المفاهيمية في الفلسفة والأساطير وصولاً إلى التقدم السريع الذي أوصلنا إلى حالته الحالية.
البدايات: الذكاء الاصطناعي في الأساطير والفلسفة
فكرة الكائنات الاصطناعية ذات الذكاء الشبيه بالبشر ليست جديدة. تحدثت العديد من الأساطير القديمة عن كائنات اصطناعية تتحرك بقوى خارقة أو ميكانيكية. على سبيل المثال، في الأساطير اليونانية، كان تالوس-الأوتوماتون البرونزي الذي صنعه هيفايستوس- مكلفًا بحراسة جزيرة كريت.
كما تحتوي التقاليد الصينية والهندية على أساطير عن كائنات اصطناعية تنفذ المهام البشرية قبل بدء الاستكشاف العلمي للذكاء الاصطناعي.
فلاسفة مثل أرسطو وديكارت ولايبنيز فكروا في آلات يمكنها تقليد الفكر البشري. في القرن السابع عشر، اقترح غوتفريد لايبنيز النظام الثنائي، الذي أصبح لاحقًا أساس الحوسبة الحديثة.
ولادة علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي (1900–1950)
تعود الأسس الرسمية للذكاء الاصطناعي إلى أوائل القرن العشرين وظهور التفكير المنطقي في الحوسبة الحديثة. لعب عالم الرياضيات البريطاني ألان تورينج دورًا محوريًا في بناء الأسس التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُبنى عليها. في عام 1936، قدّم مفهوم "الآلة الشاملة" أو آلة تورينج، القادرة على إجراء الحسابات وفقًا لمجموعة من القواعد.
خلال الحرب العالمية الثانية، فكّ شيفرات الرسائل الألمانية عبر كسر شيفرة إنجما، موضحًا قدرة الحوسبة على حل المشكلات. في عام 1950، نشر ورقة بعنوان "الحوسبة والذكاء" قدم فيها اختبار تورينج، لتقييم ما إذا كانت أفعال الآلة تشبه أفعال البشر.
متى تم اختراع الذكاء الاصطناعي؟
في عام 1956، نُسب الفضل لجون مكارثي في ابتكار مصطلح "الذكاء الاصطناعي"، وبدأت شعبيته في مؤتمر دارتموث. لكن بعض مفاهيم الذكاء الاصطناعي بدأت منذ وقت أبكر، متأثرة بالرياضيات والفلسفة. مفاهيم الحوسبة المبكرة كما تصورها ألان تورينج في الثلاثينيات والأربعينيات شكّلت الأسس للذكاء الاصطناعي الحديث.
شتاء الذكاء الاصطناعي (1970–1980)
ظهر ما يُسمى "شتاء الذكاء الاصطناعي" عندما تلاشى الحماس تجاه البحث فيه، وواجهت الأبحاث العديد من العقبات. تقلصت التمويلات الحكومية بسبب عدم تحقق التوقعات.
حصلت أنظمة الخبراء المبنية على القواعد على بعض النجاح، مثل MYCIN الذي ساعد الأطباء على تشخيص العدوى، لكنها كانت ثابتة وغير قادرة على التعلم من البيانات، مما قلل من فائدتها.
صعود التعلم الآلي (1990–2000)
عاد الاهتمام بالذكاء الاصطناعي في التسعينيات بفضل تطوير خوارزميات التعلم الآلي. بدأ الباحثون الابتعاد عن الأنظمة القائمة على القواعد واعتمدوا الأساليب الإحصائية والشبكات العصبية وتحليل البيانات.
شهد عام 1997 فوز جهاز Deep Blue من IBM على بطل العالم في الشطرنج غاري كاسباروف، ما شكّل علامة بارزة للذكاء الاصطناعي، مع تقدم قدراته في التعرف على الصوت والرؤية الحاسوبية والروبوتات.
ثورة التعلم العميق (2010–الآن)
شهد العقد 2010 ارتفاعًا كبيرًا في الذكاء الاصطناعي بفضل التعلم العميق، وهو نوع من التعلم الآلي يستخدم الشبكات العصبية لمعالجة كميات كبيرة من البيانات، مدفوعًا بتوافر مجموعات بيانات كبيرة، وقوة حوسبة أعلى، وخوارزميات أفضل.
أبرز الإنجازات:
-
2011: فاز IBM Watson على الأبطال البشريين في لعبة Jeopardy!
-
2012: حققت Google دقة غير مسبوقة في التعرف على الصور باستخدام التعلم العميق.
-
2016: هزم AlphaGo من DeepMind بطلًا بشريًا في لعبة Go المعقدة.
-
2020s: تطبيقات AI من ChatGPT إلى السيارات ذاتية القيادة والروبوتات المتقدمة تُستخدم على نطاق واسع.
من صنع الذكاء الاصطناعي؟
شارك العديد من الرواد في تأسيس الذكاء الاصطناعي، منهم:
-
ألان تورينج (1912–1954): اقترح آلة تورينج ووضع اختبار تورينج.
-
جون مكارثي (1927–2011): صاغ مصطلح "الذكاء الاصطناعي" ونظم مؤتمر دارتموث.
-
مارفن مينسكي (1927–2016): أحد مؤسسي مختبر MIT للذكاء الاصطناعي، عمل على الشبكات العصبية والتعلم الآلي والروبوتات.
-
ألن نيويل وهربرت سايمون: طورا أول برامج للذكاء الاصطناعي مثل Logic Theorist وGeneral Problem Solver.
مستقبل الذكاء الاصطناعي
مع آفاقه الواسعة ووعده بتطوير الذكاء الاصطناعي العام، وإمكانياته الأخلاقية، والتعاون البشري-الآلي، يُتوقع مستقبل مشرق للذكاء الاصطناعي. سيستمر استخدامه المتزايد في مجالات الرعاية الصحية، التمويل، التعليم، واستكشاف الفضاء.
من أساطير الحضارات القديمة إلى الابتكارات الحديثة، كان تاريخ الذكاء الاصطناعي مليئًا بالإبداع والتحديات، وشكّل الطريقة التي نتفاعل بها مع التكنولوجيا اليوم، مع استمرار تطوره لتعريف المستقبل في مجالات لم تُستكشف بعد.